Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124

مع تدمير البنية المصرفية في قطاع غزة وتوقف البنوك عن تقديم الخدمات المالية أو صرف الرواتب والمدخرات، برزت شبكة مالية بديلة تسيطر تدريجياً على حياة السكان: تجار السيولة والصرافون غير المرخصين. هؤلاء باتوا مصدر النقد الوحيد، لكن مقابل أثمان باهظة تصل إلى اقتطاع أكثر من نصف المبلغ المستحق.
يكشف هذا التحقيق كيف تحوّلت حاجة الناس إلى السيولة إلى فرصة للابتزاز، وكيف نشأت سوق سوداء تديرها مجموعات غير رسمية تعمل بعيداً عن أعين الجهات الرقابية.
“دفعت نصف راتبي لأحصل على نصفه”… بداية الحكاية من واقعة فردية تتكرر آلاف المرات
يقول أحد المواطنين إن الحصول على راتبه بعد تحويله إلى حسابه البنكي لم يعد ممكناً إلا عبر صراف غير مرخص، واضطر لدفع 55% من قيمة راتبه البالغ 2700 شيكل مقابل الحصول عليه نقداً.
هذه القصة ليست استثناءً، بل نموذجاً يتكرر يومياً في ظل إغلاق شبه كامل لبنوك القطاع وخروج الصرافات الآلية عن الخدمة بسبب الدمار.
كيف تعمل شبكة تجار السيولة؟
من شراء النقد إلى بيعه بعمولات باهظة**
رصد التحقيق آلية عمل شبه ثابتة تعتمدها شبكات تجار السيولة:
1. شراء النقود من البائعين
يحصل التجار على السيولة عبر شرائها من أصحاب المحال والتجار، مقابل عمولة بسيطة تبلغ 2 شيكل على كل 100 شيكل. هكذا يؤمّنون مخزوناً نقدياً يستخدم لاحقاً في عمليات السحب.
2. الترويج عبر حسابات وهمية
تنتشر إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لحسابات مجهولة تعرض “سيولة مقابل تطبيق بنكي”، مع تحديد عمولات وصلت في فترات ذروة الحرب إلى 30% من قيمة المبلغ المطلوب.
3. تسليم نقدي مقابل اقتطاع عالي
عند تحويل مبلغ لحساب الصراف مقابل استلامه نقداً، تُقتطع عمولات تتراوح بين 15% و55%، تبعاً لندرة السيولة وحاجة المواطن.
بهذا الأسلوب، نشأت سوق مالية موازية تسيّر حركة النقد خارج النظام المصرفي الرسمي.
الفراغ المصرفي… الأرض الخصبة لصعود السوق السوداء
تشير بيانات رسمية إلى أن عدداً كبيراً من فروع البنوك في غزة دُمِّر جراء القصف، وأن ما تبقى منها تعذّر تشغيله، ما أدى إلى:
انقطاع شبه كامل لخدمات السحب والإيداع
تعطل معظم أجهزة الصراف الآلي
أزمة سيولة غير مسبوقة في الأسواق والمنازل
هذا الانهيار البنكي خلق فراغاً استغلته مجموعات غير مرخصة لتأسيس سوق بديلة تتحكم في النقد وتفرض أسعارها الخاصة.
ابتزاز مالي معترف به… وإجراءات غائبة
تؤكد الجهات الرقابية الرسمية أن مواطنين تعرّضوا لعمليات استغلال عبر:
التحويلات البنكية
استخدام أجهزة نقاط البيع
الخدمات المالية عبر التطبيقات
وذكرت أن بعض التجار غير المرخصين يفرضون عمولات تصل إلى 55% مقابل السحب عبر البطاقات أو التحويلات.
ورغم الإعلان عن مراقبة الحسابات واتخاذ إجراءات رادعة “عند ثبوت المخالفة”، لم يتم رصد أي عقوبة فعلية، ولا تزال:
محلات غير مرخصة تعمل
حسابات بنكية نشطة
إعلانات العمولة تنتشر دون رقابة
حتى بعد مرور عام كامل على البيان الرسمي.
قانون واضح… ومخالفات واضحة أيضاً
ينص القانون الفلسطيني رقم (40) لسنة 2022 الخاص بترخيص ورقابة مهنة الصرافة على:
منع أي شخص من ممارسة الصرافة دون ترخيص
إلزام المتقدمين بالتسجيل وفق قانون الشركات
إخضاعهم لرقابة سلطة النقد
لكن الواقع الميداني يكشف أن عشرات الجهات تعمل دون أي تراخيص، وأن غياب تطبيق القانون سمح لسوق غير منظمة بالتمدد.
خلاصة التحقيق: نظام مالي بديل يترسخ… والمواطن هو الحلقة الأضعف
يكشف هذا التحقيق أن “سماسرة السيولة” باتوا يشكّلون نظاماً مالياً موازياً في غزة، يفرض عمولات باهظة ويستنزف رواتب المواطنين نتيجة:
انهيار النظام المصرفي
غياب الرقابة الفعلية
حاجة السكان الماسة للنقد
استمرار عمل شبكات غير مرخصة دون محاسبة
وبين بنك مدمَّر وسوق سوداء مزدهرة، يجد المواطن نفسه مضطراً لدفع نصف راتبه حتى يحصل على نصفه الآخر.