سفر ملاك فضة… فضيحة إنسانية تكشف شبكة فساد تمتد من غزة إلى المستشفى الميداني الأردني

في قطاع غزة المدمر، حيث يتنفس المرضى على قوائم الانتظار والموت يتربص بالأطفال ومرضى السرطان، تفجرت قضية سفر المبادِرة ملاك فضة إلى الأردن، كاشفةً عن شبكة فساد سوداء تتاجر بحياة الناس وتُسخّر الألم الإنساني لبناء النفوذ والثروات.

فبينما ينتظر آلاف المرضى شهورًا وربما سنوات للحصول على تحويلة علاجية، تمكنت ملاك فضة من مغادرة القطاع خلال أيام قليلة، عبر ما وصفه مختصون بأنه “تنسيق خاص” مع المستشفى الميداني الأردني، بعيدًا عن القنوات الرسمية لوزارة الصحة—وهو ما فجّر موجة غضب عارمة بين المواطنين.

تسليم بيانات المتبرعين لجهات أمنية

معلومات خاصة حصل عليها “الكود” تؤكد أن ملاك فضة سلّمت كامل بيانات المتبرعين لجهات أمنية ضمن ترتيبات سفرها، وهو ما يثير أسئلة حول طبيعة العلاقة، وأسباب السماح بخروجها السريع، ومن منحها هذا المستوى من الامتيازات.

خروج عبر “تحويلة غير حقيقية”… بينما يموت المرضى

مواطنون وناشطون يؤكدون أن ملاك فضة لم تغادر ضمن أي كشف رسمي، وأن ملفها الطبي الذي استخدمته تضمن معلومات “لا تصف حالة طارئة”. ورغم ذلك، تم قبولها خلال ساعات بعد دفع رشوة بقيمة 75 ألف دولار أمريكي، متجاوزةً آلاف الحالات الحرجة التي تتنفس بصعوبة تحت الأنقاض.

الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا وصف طريقة خروجها بأنها “مليئة بعلامات الاستفهام”، مشيرًا إلى أن ما جرى يشبه سيناريوهات سابقة خرجت فيها شخصيات غير معروفة عبر تنسيقات خارجية، بالتزامن مع تدفق “أموال بلا رقابة” تصل لملايين الدولارات.

وأضاف القرا، في منشور عبر فيسبوك، أن الوزارة لم تصنف حالة ملاك ضمن الأولويات، وأن ما حدث “تضليل واضح” يستدعي الكشف عن الجهات التي تقف خلف العملية.

شهادات موجعة: أطفال يموتون… و”الطريق مفتوح لمن يدفع”

الناشطة سمية علي قدمت شهادة تقطع القلب عندما تحدثت عن طفلها عز الدين الذي ولد بحالتين خطيرتين في القلب ورئتين غير مكتملتين، ويحتاج للأكسجين على مدار الساعة، ورغم تصنيفه كحالة طارئة منذ ثلاثة أشهر “لم يتمكن من الخروج”. وتضيف:

> “كيف تخرج ملاك فضة بهذه السهولة بينما يموت أبناؤنا؟ لماذا تتحول التحويلة الطبية إلى سلعة في السوق السوداء؟”

سؤال الصحفيين: من نسّق؟ من وقّع؟ ومن قبض؟

الصحفية صافيناز اللوح تساءلت بصراحة عن الجهة التي سهّلت خروج ملاك فضة، وعن مصدر الأموال التي دفعتها، وإن كان سفرها على حساب تبرعات الفقراء والمشردين.

وأضافت: “هل خرجت ملاك مجانًا أم دفعت آلاف الدولارات؟ ومن منحها جواز السفر؟ ولماذا تُفتح لها الأبواب بينما تغلق في وجه المرضى؟”

اللوح أشارت إلى أن حساب ملاك يظهر فريق عمل يدير التبرعات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات أكبر حول حجم الأموال التي جمعتها وكيف تم التصرف فيها.

وزارة الصحة: لا علاقة لنا… ما جرى “خارج النظام”

في بيان حاد اللهجة، أكدت وزارة الصحة في غزة أن ملاك فضة لم تغادر عبر أي قناة رسمية، ولم تكن حالتها من بين الحالات الطارئة، وأن ما حدث تم عبر “تنسيق فردي لا يمت بصلة للوزارة”.

وأشارت الوزارة إلى أن منظومة التحويلات تعتمد معايير صارمة لإعطاء الأولوية لمرضى السرطان والأطفال والحالات الخطيرة، مؤكدة أن أي خروج خارج هذه المنظومة هو “تجاوز مرفوض”.

حقائق صادمة: ملف طبّي مفبرك وتجاوز لقرار جراح مختص

المعلومات التي حصل عليها “الكود” تكشف أن شقيق ملاك فضة خضع لعملية جراحية في 13 يونيو بمجمع ناصر الطبي، وتعافى لاحقًا دون الحاجة للسفر. ورغم محاولات متعددة لتمرير تحويلة له، رفضها الدكتور محمد الهوبي قائلًا إن حالته “لا تستدعي العلاج خارج غزة”.

وعقب الرفض الرسمي، تمت—وفق مصادر طبية—فبركة ملف طبي لملاك نفسها، يتضمن أنها بحاجة لعلاج حصوة، ليتم اعتماد ملفها في المستشفى الميداني الأردني خلال ساعات.

أموال التبرعات… السؤال الأخطر

تقارير متطابقة تشير إلى أن حسابات خارجية مرتبطة بملاك فضة تضمنت مئات آلاف الدولارات، كانت مخصصة للجرحى والنازحين. إلا أن طريقة خروجها السريعة والمرتبطة بتنسيق مدفوع الثمن تطرح سؤالًا واحدًا:

هل موّلت ملاك فضة خروجها من أموال المتبرعين؟

دلالات الفضيحة

انهيار المنظومة الصحية رسميًا: التنسيقات الخاصة تتجاوز قرار الطبيب والوزارة.

ضرب الثقة بالعمل الإنساني: التبرعات تتحول من دعم للفقراء إلى حسابات شخصية.

هيمنة السوق السوداء: الحق في الحياة يصبح امتيازًا لمن يملك المال.

خلاصة القضية

قصة ملاك فضة ليست مجرد خروج مشبوه من قطاع غزة.

إنها مرآة لفساد أوسع، يكشف كيف تُدار التحويلات الطبية في الخفاء، وكيف تحولت المعاناة الإنسانية إلى تجارة مربحة، وكيف صار المرضى ضحايا صراع النفوذ والمال.

وفي وقت يفيض فيه الوجع، تبقى الحقيقة الأكثر مرارة:

في غزة… لا يخرج للعلاج من هو الأكثر مرضًا، بل من هو الأكثر قدرة على الدفع.

Leave a Reply