Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124

يعيش قطاع غزة واحدة من أعقد أزماته الاقتصادية منذ بداية الحرب، في ظل تدهور غير مسبوق في حركة البضائع عبر المعابر، وتحوّل إدخال السلع الأساسية إلى مسار مزدوج تتحكم فيه جهات احتكارية وشبكات تنسيق مدفوعة، خلقت بيئة تجارية مختلّة تتصدرها الرشاوى والابتزاز وشراء النفوذ.
وباتت السلع التي تدخل غزة تخضع لثلاث دوائر تحكم: تنسيقات الاحتلال، وشبكات الفساد المرتبطة بتمرير المساعدات، وتكاليف أمنية إضافية لحماية الشاحنات داخل القطاع، ما أدى إلى تضاعف الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وتهديد ما تبقّى من النشاط التجاري.
رسوم خيالية تُفجر الأسعار
معلومات حصل عليها موقع الكود من مصادر تجارية مطلعة تؤكد أن الارتفاع القياسي في أسعار المواد الغذائية واللحوم ومعدات الطاقة يعود إلى “مبالغ غير مسبوقة” تُدفَع لتنسيق دخول الشاحنات.
وبحسب المصدر، فإن أربع جهات دولية فقط باتت تحتكر إدخال المساعدات، وسط شبهات تتعلق بـ”بيع التنسيق” لتجار بعينهم بأسعار مرتفعة، ما خلق سوقًا احتكارية مغلقة حُرم منها مئات التجار.
وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: “بعض الشاحنات لا تدخل إلا بعد دفع ما بين 80 إلى 120 ألف دولار، تبعًا لنوعية البضاعة، مع ارتفاع خاص لمعدات الطاقة والهواتف المحمولة والدواجن… والنتيجة: أسعار خارجة عن السيطرة.”
وتضاف إلى هذه التكلفة مبالغ تتراوح بين 5 و10 آلاف دولار للشاحنة لتأمين وصولها داخل القطاع دون تعرضها للسرقة أو العرقلة، في ظل غياب منظومة حماية رسمية وانفلات مجموعات مسلحة صغيرة على خطوط النقل.
ويقول أحد التجار، إن ما يجري هو “احتكار” و”تنسيق غير شفاف” يتم عبر شبكات لا تخضع للمساءلة.
رئيس الغرفة التجارية بغزة، عائد أبو رمضان، وصف القيود الإسرائيلية بأنها “ابتزاز تجاري ممنهج”، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال تفرض مبالغ غير رسمية على كل شاحنة، قد تصل — بحسب الغرف التجارية — إلى 500 ألف حتى مليوني شيكل حسب نوع البضاعة.
وأفاد أبو رمضان في تصريحات صحفية: “قطاعات مثل الطاقة والإنشاءات تتعرض لشلل شبه كامل بفعل القيود وارتفاع تكاليف التنسيق… الخسائر حتى مارس 2025 تجاوزت 800 مليون دولار.”
وتشير إحصائية صادرة عن الغرفة التجارية إلى أن 73% من التجار فقدوا جزءاً كبيراً من رأس مالهم التشغيلي بسبب هذه الممارسات، فيما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 200 و500% مقارنة بما قبل الحرب.
ما يجري اليوم في غزة لا يقتصر على أزمة تجارية؛ بل هو شبكة فساد معقّدة تُعيد هيكلة السوق بما يخدم أطرافاً محددة تسيطر على تدفق السلع، الأمر الذي يهدد بانهيار اقتصادي واسع، خصوصاً مع تراجع القوة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
ويرى خبراء تحدثوا لـ”الكود” أن استمرار هذه المنظومة سيؤدي إلى:
تقليص عدد التجار القادرين على العمل إلى نسبة لا تتجاوز 15–20% ممن يستطيعون تحمل تكاليف التنسيقات.
تحويل غزة إلى سوق احتكارية بالكامل تهيمن عليها مجموعة صغيرة مرتبطة بشبكات التنسيق.
انهيار منظومة الأسعار بشكل يمنع أي تعافٍ اقتصادي حتى لو فُتحت المعابر لاحقاً.
وطالب أبو رمضان والأطر الاقتصادية بفتح تحقيق دولي مستقل في ممارسات الاحتلال، وإنشاء آلية رقابة شفافة على إدارة المساعدات، بإشراف الأمم المتحدة، إلى جانب رفع القيود عن معبر رفح والسماح بالتوريد التجاري الحر.
ختاماً، تتقاطع شهادات التجار والخبراء لتؤكد أن ما يحدث في غزة ليس أزمة عابرة، بل منظومة متكاملة من الاحتكار والفساد والابتزاز أسست لاقتصاد يقوم على التنسيقات بدلاً من القانون، وعلى النفوذ بدل المنافسة، في وقت يدفع فيه المواطن الثمن الأكبر على مستوى معيشته وأمنه الغذائي.