Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124

في خضم الحرب المدمرة على قطاع غزة والمعاناة الإنسانية الكارثية، تبرز ظواهر داخلية خطيرة تستغل الفوضى وتعمق الأزمة. يتصدر هذه الظواهر تحوّل بعض الأفراد إلى وكلاء فعّالين للاحتلال الإسرائيلي، حيث يجسد منهل سعدي محمد شحيبر (مواليد 6/3/1978، هوية رقم 900684564) نموذجاً صارخاً للفساد والتواطؤ على حساب حياة الغزيين.
الارتباط المباشر مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي
تكشف المعلومات عن عمق الارتباط الاستخباري لمنهل شحيبر، حيث يتعامل بشكل مباشر ووثيق مع شريك إسرائيلي يُدعى “نيسم جان”، الذي يُوصف بأنه “مسؤول الشاباك في الجنوب”. هذه العلاقة الخاصة تمنح شحيبر حصانةً فعلية وتجعله عنصراً محمياً من قبل الاحتلال. وقد تجلّت قوة هذه الحماية في حادثة واضحة عندما حاول جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس استجوابه أو احتجازه بشبهات، فما كان من الجانب الإسرائيلي إلا أن أقفل معبر كرم أبو سالم بشكل فوري كإجراء ضاغط لإطلاق سراحه. هذا التدخل المباشر يثبت مكانته كعنصر ذي أولوية وحساسية عالية بالنسبة للاحتلال، ويعكس مدى الاختراق الذي تسمح به هذه العلاقة.
العلاقة المتوترة مع فصائل المقاومة
نتيجة لعلاقته الوطيدة والعلنية مع الجانب الإسرائيلي، فإن علاقة منهل شحيبر مع حركة حماس “ليست على ما يرام”، حسب المصادر. يتحاشى العديد من الكوادر التعامل معه أو حتى الحديث إليه، خشيةً من تداعيات ذلك، كما أن محاولات احتجازه أو محاسبته تواجه عقبات خارجية فورية، مما يجعله بمثابة “الدولة داخل الدولة”، حيث تحميه قوة خارجية تمنعه من المساءلة المحلية.
النشاط الإجرامي: من بوابة المعبر إلى عصابات النهب المنظم
يتركز نفوذ منهل شحيبر في سيطرته على عمليات النقل عبر معبر كرم أبو سالم، حيث يستغل منصبه كمسؤول عن شركة نقل للمساعدات والسلع لتحويلها إلى غطاء لأنشطة إجرامية ممنهجة تشمل:
· سرقة المساعدات الإنسانية: عرقلة وصول المساعدات الغذائية والطبية والاستيلاء عليها علناً.
· التحكم والابتزاز: التحكم بتجار غزة من خلال احتكاره لعملية النقل، وأخذ مبالغ كبيرة على كل نقلة.
· التواطؤ المباشر مع الاحتلال: العمل بتنسيق مباشر مع جهات الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً شريكه المذكور، للتحكم في مسارات الشاحنات والسلع المسموح بدخولها.
· تشكيل شبكات سطو: تجنيد سائقي الشاحنات وشبكات محلية لتنفيذ عمليات نهب منظمة.
· تهريب الدخان: تفتيش السيارات الداخلة عبر المعبر (من مصر أو إسرائيل) بواسطة مناديب له، وسرقة كميات السجائر وبيعها في السوق السوداء بمبالغ طائلة.
· تهريب المخدرات: الإبلاغ عن تورطه في عمليات تهريب المخدرات.
الاستيلاء على الأراضي: توسيع الإمبراطورية
كشفت تحقيقات استقصائية عن بعد آخر لنشاط منهل شحيبر، يتمثل في:
· الاستيلاء على شريط أرضي استراتيجي يمتد من النصيرات إلى الزوايدة (أكثر من 1800 دونم).
· اختيار مناطق أقل تضرراً من الحرب، مما يشير إلى تخطيط مسبق ودراية.
· استخدام أساليب الابتزاز والتهديد ضد ملاك الأراضي الأصليين.
· العمل كـ”وكيل عمليات” لشبكة مصالح إسرائيلية ودولية أوسع.
المشروع الأوسع: هندسة الواقع الجديد
نشاط شحيبر لا يقتصر على الجريمة المنظمة، بل يبدو جزءاً من مشروع أكبر يهدف إلى:
· إعادة رسم الخريطة الاقتصادية: التحضير لإنشاء “مركز لوجستي دولي” يحول مسار المساعدات ويخلق بوابة نفوذ جديدة.
· التطبيع الاقتصادي: التمهيد لعلاقات اقتصادية غير مشروعة تحت غطاء العمليات “الإغاثية” أو “التجارية”.
· تمهيد الأرض للاحتلال: العمل كمقاول لتنفيذ مخططات استيطانية تهدف إلى ابتلاع ما تبقى من أرض القطاع.
أسئلة مصيرية ومحاسبة عاجلة
يطرح هذا الواقع الخطير أسئلة وجودية:
· كيف يُسمح لأكبر عملية سطو على الأرض والمقدرات في ظل الحرب، وبحماية واضحة من الاحتلال، بالاستمرار دون رادع حقيقي؟
· من يموّل ويحمي صفقات بملايين الدولارات في قلب الدمار، وكيف تنسجم هذه الحماية مع الادعاءات الأمنية والسياسية للفصائل المحلية؟
· أين تقف مسؤوليات سلطة الأمر الواقع بغزة في مواجهة هذا الاختراق الخطير الذي يحظى بحماية خارجية فورية؟
· هل يتم إعداد هؤلاء الأفراد المحميون من قبل الاحتلال لاحتلال أدوار سياسية أو اقتصادية مركزية في مرحلة ما بعد الحرب، كجزء من هندسة واقع جديد للقطاع؟
قصة منهل شحيبر ليست حالة فساد عادية، بل هي نموذج سافر لـ “الوكالة المحمية” التي يعمل من خلالها الاحتلال على إدارة الأزمة من الداخل، وتعطيل أي مساءلة محلية، والتحكم بمقدرات الحياة. إنها آلية مدمرة تعمل على تفريغ غزة من مقومات الحياة والبشر معاً، وتشكل حلقة في سلسلة طويلة تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديمغرافية والجغرافية للقطاع. مواجهة هذه الآفة تتطلب تحركاً عاجلاً وجاداً على جميع المستويات، فضلاً عن فضح دولي ودعوة للمحاسبة لوقف هذا النزيف الداخلي الذي يكمل جراح الحرب.