سامر نعيم.. نائب رئيس هيئة البترول الذي حوّل غاز غزة إلى ذهب أسود بيد مافيا مغلقة

في زمن تنهش فيه آثار حرب الإبادة أنفاس غزة، وبينما يخنق الفقر كل نافذة للحياة، تنفتح داخل المؤسسات الرسمية نافذة أخرى أكثر ظلمة، نافذة للفساد الذي يتسلل إلى بيوت الناس عبر أنابيب الغاز المفقود. فبينما تبحث الأمهات عن شعلة نار تطهو بها طعامًا شحيحًا، وبينما يقف الآلاف في طوابير تمتد أياما بلا جدوى، كانت أيادٍ نافذة داخل الهيئة العامة للبترول تعبث بما تبقى من شريان حياة مليوني إنسان، وتحوّل مادة الغاز من حق عام إلى ملك شخصي، من خدمة إلى سلعة سياسية، ومن ضرورة يومية إلى فرصة لإثراء قلة على حساب جوع الكثرة.

سامر نعيم.. المسؤول الذي يقود شبكة الظل

في وسط هذا المشهد القاتم، يبرز اسم سامر نعيم، نائب مدير هيئة البترول، ليس بوصفه موظفًا إداريًا، بل باعتباره – وفق ما تؤكده معلومات وتحريات متقاطعة – القائم على إدارة شبكة توزيع موازية، يأخذ من احتياجات الناس ليضخها في أسواق سوداء تتغذى على محنة القطاع. وتضع مصادر من داخل الهيئة الرجل في قلب منظومة دقيقة، يُعاد فيها تشكيل قوائم التوزيع، وتُسحب الكميات المخصصة للمواطنين لصالح مسارات أخرى لا يعرفها إلا المنتفعون.

إياد الشربجي.. صمت المدير الذي أشعل الشبهات

وفي الواقع، لم يكن هذا الدور ليتعاظم لولا الغطاء الذي وفره، عن قصد أو عن صمت، مدير الهيئة إياد الشربجي، الذي يثير غياب مواقفه وإجراءاته تساؤلات عميقة: هل كان عاجزًا عن وقف هذا الانهيار، أم متورطًا فيه، أم مكتفيًا بالصمت الذي يسمح للفساد أن يتغلغل بلا مساءلة؟

كيف تعمل المنظومة؟ تحويل الغاز إلى “عملة داخلية” وسوق سوداء

الآلية التي تعمل بها هذه الشبكة ليست فوضوية أو ارتجالية، بل هي منظومة متكاملة تبدأ من داخل المكاتب الرسمية وتنتهي عند البائعين في الأزقة. فالكميات التي كان يُفترض أن توزع للفقراء تتحول إلى ما يشبه “العملة الداخلية”، تُمنح لمسؤولين وعناصر بعينها كامتيازات في ظل حصار خانق، بينما يذهب الجزء الأكبر إلى السوق السوداء حيث تُباع الكيلة الواحدة بمئة شيكل، أي عشرة أضعاف السعر الرسمي، في وقتٍ لم يعد فيه كثير من العائلات قادرة على تأمين ثمن ربطة خبز.

الواقع الفاضح على الأرض: شاورما تعمل… وأسر تُشعل الحطب

وعلى الأرض تظهر المفارقة الفاضحة: محلات الشاورما تعمل بلا توقف، سيارات الأجرة التي تعمل بالغاز تجوب الشوارع كأن الأزمة لا وجود لها، بينما آلاف الأسر تضطر منذ عامين للعودة إلى جمع الحطب لإشعال النار تحت قدر الطعام، وكأن غزة تعود عقودًا إلى الوراء.

فساد لا يسرق المال فقط.. بل يسرق الحياة نفسها

هذه الجريمة المركبة لم تعد مجرد خلل إداري، بل تحولت إلى مأساة إنسانية يعيشها الناس كل يوم. فالأم التي تطهو على نار الحطب ليست حكاية فردية، بل صورة عامة تكرر نفسها في كل حي. والمرضى الذين يواجهون البرد دون غاز للتدفئة ليسوا استثناءً، بل هم جزء من واقع يزداد قسوة. ومع اشتداد الحرب والحصار منذ أكتوبر 2023، وغياب المواد الأساسية وعلى رأسها الغاز، كان على المؤسسات الرسمية أن تكون ملاذًا أخيرًا للمواطن. لكن بدلاً من ذلك، تحولت إلى طرف جديد يعمّق الجرح، ويضيف إلى مأساة الاحتلال مأساة داخلية لا تقل فتكًا.

غضب الشارع.. أسئلة بلا إجابات وصمت رسمي مطبق

ومع تفاقم الوضع، لم يعد غضب الناس همسًا في البيوت. أصبح سؤال الشارع واضحًا وصريحًا: كيف يحصل مطعم واحد على عشرات الكيلات يوميًا بينما حي كامل لا يجد كيلة واحدة؟ كيف يستمر تزويد سيارات الأجرة بالغاز بينما المستشفيات تعاني نقصًا خانقًا؟ وكيف تلتزم حكومة الأمر الواقع صمتًا مطبقًا أمام ما يُتداول من وقائع وشهادات؟ هذا الصمت لم يعد مجرد تقصير، بل تحول في نظر الناس إلى حماية مباشرة لمنظومة الفساد، وإلى إشارة بأن ما يجري ليس مجرد تجاوز أفراد، بل جزء من بناء محكم يستفيد من الأزمة ويستثمر فيها.

بين نار الحصار ونار الفساد.. الغزيون يدفعون الثمن

في غزة اليوم، كل كيلة غاز قد تعني حياة طفل أو دفء مريض أو وجبة طعام لأسرة جائعة. وما يحدث ليس سرقة للمال العام فقط، بل سرقة لحق الحياة ذاته. وبين حصار الاحتلال وفساد الداخل، يجد الغزيون أنفسهم عالقين بين نارين، لكن النار التي يشعلها الفساد أشد قسوة، لأنها تأتي من جهة كان يفترض أن تكون سندًا، لا عبئًا إضافيًا.

Leave a Reply